Blog

  • Home
  • Blog
  • أشخاص من دون هويّة: ظاهِرة الحرمان من الجنسيّة في لبنان وكيفيّة مُعالجتها

أشخاص من دون هويّة: ظاهِرة الحرمان من الجنسيّة في لبنان وكيفيّة مُعالجتها

أسيل جمّال | الجمعة ٨ آذار/مارس ٢٠١٩

image6776782

يوجَد اليوم ما يفوق ١٠ مليون شخص عديمي الجنسيّة في العالم، وتشكّل هذه الظاهرة إحدى أبرز التحدّيات الإنسانيّة على الصعيد الدوليّ في القرن الحادي والعشرين، كما تُعتَبر من أهم الأولويّات لدى الأمم المتحدة، وتحديدًا المفوّضية السامية لشؤون اللّاجئين التي أطلقت عام ٢٠١٤ حملة "#أنا_أنتمي" لِمُكافحة الحرمان من الجنسيّة في العالم. ولِلُبنان حصّته الوافرة من هذه الظاهرة، فهو يحتضن العديد من الأشخاص عديمي الجنسيّة من أصول لبنانيّة وغيرهم من المجتمعات اللّاجئة. فمن هم هؤلاء الناس؟ وما هي السبل الأمثل للحدّ من هذه الظاهِرة؟

انعِدام الجنسيّة في لبنان

يتألّف المُجتمع اللّبناني من عدّة فئات مستضعفة ومهمّشة لا تحظى باهتمام الجهات الرسميّة اللّازم، لكنّ الأكثر تهميشًا هم الأشخاص المحرومين من الجنسيّة. وبحسب الجمعيّات الحقوقيّة المعنيّة، يوجد اليوم في لبنان ما يقارب ٨٠,٠٠٠ مواطن مُقيم على الأراضي اللّبنانية لا يحمل جنسيّته اللّبنانية، والتي تضمن له قانونًا حقوق المواطنة والعيش الكريم. يُواجه هؤلاء الأشخاص صعوبات متعدّدة نسبةً لانعدام القدرة على تعريف موقعهم القانوني ممّا يحرمهم من الحقوق المُترتّبة على الدولة تجاههم. تتمثّل هذه الصعوبات بعدم الحُصول على الحقوق الأساسيّة التّي تنُصّ عليها مبادئ حقوق الإنسان كالتعليم والرعاية الصحيّة والعمل وحريّة التنقّل. وغالبًا ما تستعصي عليهم الأمور التّي تُعتبر من البديهيّات كالحصول على شهادات عُليا أو فتح حساب مصرفيّ أو شراء منزل أو حتى الزواج وذلك نتيجة غياب أيّ وثائق ثبوتيّة تعرّف عنهم.

يَزداد إنتشار هذه الظاهرة في لبنان مع وجود أكثر من فئة معرّضة لها، فعديمو الجنسيّة في بلادنا ليسوا من أصول لبنانيّة فقط، فهناك سكّان يقيمون على الأراضي اللبنانيّة تاريخيًّا، بالإضافة إلى الفلسطينيّين والأكراد، وفي الآونة الأخيرة أطفال اللّاجئين السوريّين الذين وُلدوا في لبنان منذ بَدء الأزمة عام٢٠١١ وهم أيضًا في مواجهة خطر الحرمان من الجنسيّة الآن.

العوامل المؤدّية الى انعدام الجنسيّة

حدّدت المفوضيّة السّامية لشؤون اللّاجئين عددًا من العوامل التي قد تؤدّي إلى انعدام الجنسيّة، مُعظمها تَنطبق على الواقع اللّبناني. العامِل الأوّل يتمثّل بالثغرات في القوانين التي تُعنى بتحديد ظروف مَنح الجنسيّة للأفراد كما موجبات سَحبها منهم. ففي العديد من البلدان ومن بينها لبنان، لا تُكتسب هذه الأخيرة إلّا من خلال النَسَب إلى الأب (يُطبّق ذلك في ٢٧ بلدٍ في العالم)، وفي حال عدم ثُبوت ذلك، تَنتقل هذه الظاهرة من جيل إلى آخر.

العامِل الآخر هو تعرّض الطفل الذي يولد في بلد غير بلده الأصلي لخطر انعدام الجنسيّة، في حال لم يَسمح البلد المُضيف بمنحه إيّاها على أساس الولادة فيه، كما في حال لم يَكن البلد الأمّ يسمح لأحد الوالدَيْن بمنح جنسيّته للطفل على أساس الروابط الأسريّة، وينطبق هذا جزئيًّا على حالة اللّاجئين السورييّن في لبنان مع فوارق قليلة، فالعائق الأساسيّ هنا ليس رفض بلد المنشأ منحهم الجنسيّة (سوريا) بل عدم قدرة الأهل تسجيل الولادات وإتمام المعاملات المطلوبة للحصول على جنسيّتهم الأصليّة في البلد المُضيف، وذلك بسبب عدم معرفتهم بالإجراءات المُتّبعة أو عدم قُدرتهم على تحمّل تكاليفها. وعلى الرغم من بعض التسهيلات الإداريّة التي أجرتها وزارة الداخليّة اللّبنانية من أجل توثيق الولادات السوريّة، إلّا أنّ الأبحاث تُظهر أن نِسب التسجيل الكاملة لم تتجاوز ٢١٪ من إجمالي الولادات التي فاقت أعدادها عشرات الآلاف.

تجدُر الإشارة هنا إلى أنّ لبنان ليس من بين الدول الموقّعة على إتفاقية عام ١٩٥١ الخاصّة بوضع اللّاجئين ولا إتفاقية عام ١٩٦١ لتفادي حالات انعدام الجنسيّة، ولكنّه وقّع على معاهدة عام ١٩٨٩ لحماية حقوق الطّفل والتي يترتّب عليه بموجبها الالتزام بتأمين التوثيق اللّازم لجميع الأطفال المولودين على أرضه والحرص على حمايتهم من هذه المأساة.

الحدّ من ظاهرة انعدام الجنسيّة

أعلنت الأمم المتّحدة عام ٢٠١٤ عن خطّة عمل عالميّة لإنهاء هذه الظاهرة بحلول عام ٢٠٢٤. وتحدّد هذه الخطّة الإطار التوجيهي لنقاط العمل التي ينبغي تطبيقها بدَعم من المفوضيّة السامية للأمم المتحدّة لشؤون اللّاجئين والأطراف المعنيّة كافّة من أجل إيجاد حلّ للحالات القائمة ومنع ظهور حالات جديدة بالإضافة إلى تحديد الأشخاص المعرّضين لهذا الحرمان وحمايتهم بشكل أفضل.

تتضمّن الخطّة المقترحة ١٠ أهداف يمكن للدول أن تسعى إليها لِقَيد المسألة وتتلخّص بـ: الحدّ من انعدام الجنسيّة لغير اللّاجئين، ضَمان عدم ولادة طفل بلا جنسيّة، إلغاء التمييز الاجتماعي في القوانين المتعلّقة بهذا الموضوع، منع إنكار أو فقدان أو الحرمان من الجنسيّة على أساس التمييز، منع وجود هذا الأمر في حالات خلافة الدول، منح الحماية للمهاجرين عديمي الجنسيّة وتسهيل تجنيسهم، ضمان تسجيل الولادات لمنع حصول هذه المسألة، إصدار وثائق الجنسيّة لمن يستحقّونها، الانضمام إلى إتفاقيّات الأمم المتحدّة الخاصّة بهذه الحالات وتحسين البيانات النوعيّة والكمّية حول أعداد الأفراد المعرّضين لهذا الأمر.

الخيارات التي يُمكن للبنان تبنّيها للحدّ من انعدام الجنسيّة 

في ضوء كلّ ما تقدّم، على لبنان أن يُظهر جدّية في مقاربة هذا الموضوع الإنساني الحسّاس ويتّخذ الإجراءات اللّازمة من أجل الحدّ من ارتفاع عدد المحرومين من هويّتهم وذلك من خلال الأولويّات التالية:

  • الحدّ من انعدام الجنسيّة لغير اللّاجئين من خلال تفعيل القوانين المتعلّقة بِمكتومي القيد في لبنان والإسراع بإنجاز الإجراءات القضائيّة للأشخاص الذين لا تزال طلباتهم قيد الدرس منذ عقود.
  • ضَمان عدم ولادة طفل عديم الجنسيّة - من غير المجتمعات اللّاجئة - وذلك عبر تفعيل الفقرة الثانية من المادّة الأولى من قانون الجنسيّة اللّبناني الذي ينصّ أنّه على كل شخص "مَولود في أراضي لبنان الكبير ولم يثبت أنه اكتسب بالبنوّة عند الولادة تابعيّة أجنبيّة الحصول على الجنسيّة".
  • إلغاء التميّيز الاجتماعي في قوانين الجنسيّة بمنح المرأة اللّبنانيّة حقّها العادل والمحفوظ في الدستور في منح الجنسيّة لأبنائها.

ضَمان تسجيل الولادات كافّة وذلك من خلال تسهيل الإجراءات وخفض تكاليف المعاملات اللاّزمة ونشر التوعية الاجتماعيّة عند جميع الفِئات المعرّضة لانعدام الجنسيّة ومن ضمنها مكتومي القيد واللّاجئين السوريّين في لبنان


أسيل جمّال، باحثة في برنامج الأبحاث والسياسات حول اللّاجئين في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركيّة في بيروت

ينشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت أسبوعيًا سلسلة من المقالات حول مواضيع مختلفة متعلّقة بالسياسات العامة والمرتبطة بالأبحاث والإنتاج الفكري الذي يصدره المعهد. تهدف هذه المقالات إلى تحليل الوضع القائم والبناء عليه لتقديم اقتراحات عملية للعام ٢٠١٩ قد تُلهم صناع السياسات وأصحاب القرار والمهتمين بإيجاد حلول للأزمات القائمة وسبل للتطوّر والتقدّم في مجالات مختلفة

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت