Blog

  • Home
  • Blog
  • نحو محادثات ثنائية حول الأمن النووي في منطقة الخليج

نحو محادثات ثنائية حول الأمن النووي في منطقة الخليج

نور عيد | الجمعة، ٢٠ أيلول/سبتمبر ٢٠١٩

IFI Op-ed #26 image

ارتفعت حدّة التوتر في منطقة الخليج، منذ اتّخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار الانسحاب من الاتفاق النووي المتعدّد الأطراف (JCPOA)، الذي وضع قيودًا على البرنامج النووي الإيراني. وقد برّر ترامب قراره مُعتبرًا أنّ الاتّفاق يَردَع إيران من تطوير أسلحة نوويّة. لكن للمُفارقة، بيّن الواقع العكس تمامًا، فبعد خروج الولايات المتّحدة من الاتفاق ارتفعت حدّة التوتر في المنطقة، وأُعيد فرض العقوبات على إيران، ما قد يكون سببًا في إعادة توجيه تفكير القيادة الإيرانيّة حول مدى «قيمة» امتلاكها برنامجًا للأسلحة النوويّة. هذا المسار خطير جدًّا، ويمكن أن يؤدّي إلى سِباق نووي بين إيران والبلاد المُجاورة لها، ولا سيّما السعوديّة. على الرغم من هذا السياق المتجهّم جيوسياسيًا، إلّا أن كلّ من إيران والسعوديّة لا تظهر قابلية لخَوض حرب مباشرة، خوفًا من أن يؤدّي أي صدام إلى إحداث هزّة للنظام العالمي والتسبّب بعَواقب وخيمة محليًا ودوليًا. في الواقع، يرزح الاقتصاد الإيراني تحت ضغوط كبيرة منذ فترة، ولا يرغب الإيرانيون بخَوض أي مغامرة قد تودي بهم إلى انهيار اقتصادي. ومن جانبها، تعتمد السعوديّة على إيرادات النفط بشكلٍ كبيرٍ، وبالتالي، أي تصعيد عسكري قد يهدّد البنية التحتيّة لتصدير النفط، والتي تعدّ هشّة بالأساس، أو قد يحدّ من حرّية الملاحة في مضيق هرمز الذي تمرّ عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالميّة يوميًا. لتجنُّب الوصول إلى نقطة المواجهة المُباشرة، يفترض بإيران والسعوديّة التغلّب على الحواجز القائمة وفتح قنوات الاتصال المُباشرة بينهما. لا شكّ أنّ هناك العديد من القضايا الخلافيّة بين البلدين، لكن يُفترض وضع النقاش حول الطموحات النوويّة لكلّ منهما على سلّم الأولويات نظرًا إلى تأثيراته الأمنيّة. قد يبدو الحديث عن إمكانيّة التوصّل إلى اتفاق ثنائي حول الأمن النووي بين إيران والسعوديّة غريبًا بعض الشيء، نظرًا إلى العداء العميق بين البلدين. لكن لا شيء يحول دون محاولة استكشاف ما قد يبدو عليه اتفاق مُماثل وكيفيّة التوصّل إليه، ولو من باب التمرين الفكري. سابقة تاريخيّة: ماذا تُعَلّمنا تجربة البرازيل والأرجنتين؟ من المُفيد النظر إلى سابقة تاريخية لتصوّر شكل الاتفاقية التي يمكن التوصّل إليها بين إيران والسعودية. بعد إنهاء البرازيل والأرجنتين برنامجهما للسلاح النووي في العام 1990، تمّ إنشاء ABACC، وهو نظام تفتيش ثنائي يهدف إلى تطبيق نظام المُحاسبة ومراقبة المواد النوويّة المُشترك بين البلدين، والتأكّد من أنّ المواد المُستخدمة في الأنشطة النووية الخاصّة بهما لا يجري توظفيها لتطوير أي سلاح نووي. لم يؤدِّ هذا الاتفاق إلى تعزيز اقتصادات البلدين فحسب، بل ساهم في إضفاء المزيد من الديموقراطيّة، وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النوويّة في أميركا اللّاتينية بموجب معاهدة «تلاتيلوكو». عمليًا، لا يمكن لأي اتفاق أن يكون فعّالًا إذا لم يتمّ الالتزام بالحدّ الأدنى من الشفافيّة وتوسيع دائرة الثقة. حاليًا، يضمّ فريق ABACC نحو 22 موظّفًا (مناصفة بين البرازيل والأرجنتين)، يُنسّقون معًا عمليّات تفقّد المرافق الخاصّة في كلا البلدين بدعم كامل من حكومتيهما. وللحفاظ على الاعتراف الدولي بهذه الاتفاقيّة، ينسّق البلدان عمليّات التحقّق التي تجريها الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، بما يضمن وجود نظام حماية أكثر شموليّة، مع تجنّب بيروقراطيّة الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة في الوقت نفسه. ما هو الشكل الذي قد يأخذه الاتفاق النووي الإيراني - السعودي؟ يمكن لنظام ABACC أن يكون بمثابة نموذج توجيهي لاتفاق الأمن النووي المقترح بين إيران والسعودية، إلّا أن الواقع ليس متشابهًا على الإطلاق، خصوصًا أن الديناميّات الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط هي أكثر تعقيدًا وجذور المشكلات هي أكثر عمقًا لأسباب عديدة، من ضمنها الانقسام العقائدي السني – الشيعي الذي يعود إلى القرن السابع، ولا يزال يلعب دورًا أساسيًا في رسم العلاقات بين إيران والسعوديّة. لهذا السبب، يمكن للاتفاق المقترح أن يتمّ على ثلاثة مراحل إلى حين تعزيز الثقة بين البلدين، والتي تتطلّب وقتًا. نقترح ان تُعالج المرحلة الأولى القضايا العاجلة، أي التي تمتلك احتمالات نجاح أكبر ويمكن حلّها في فترة قصيرة نسبيًا، بما يسهم في رفع منسوب الثقة بين البلدين في نهاية المطاف. ومن أهمّ متطلّبات نجاح الاتفاقية (1) عودة إيران إلى الإتفاق النووي المتعدّد الأطراف؛ (2) موافقة السعودية على طلب الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية بتطبيق الإجراءات الحمائيّة التي تتناسب مع برنامجها النووي والتوقيع على البروتوكول الإضافي للوكالة؛ (3) إنهاء حرب اليمن المُكلفة؛ (4) إعادة العلاقات الديبلوماسيّة بين البلدين بعد انقطاعها في العام 2016. إلى ذلك، تتمحور المرحلة الثانية حول إنشاء إطار أمني يحظى بمُباركة القوى العالميّة، بما فيها الولايات المتّحدة وروسيا والصين. ويمكن لإطار مُماثل أن يضمن عدم تسييس النفط أو التأثير على حرّية الملاحة في مضيق هرمز، في مقابل فرض قيود على قدرات البلدين العسكريّة. أما المرحلة الأخيرة فممكن أن تعالج قضايا الأمن النووي بشكلٍ شامل وتامّ، بدءًا من حظر تخصيب اليورانيوم وإعادة مُعالجة الوقود النووي المُستهلك إلى أجلٍ غير مُحدّد، وصولًا إلى التوقيع على الاتفاق الوقائي الثنائي بالاستناد إلى نموذج الاتفاق النووي المتعدّد الأطراف.


نور عيد، باحثة، متدرّبة في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت.

ينشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت أسبوعيًا سلسلة من المقالات حول مواضيع مختلفة متعلّقة بالسياسات العامة والمرتبطة بالأبحاث والإنتاج الفكري الذي يصدره المعهد. تهدف هذه المقالات إلى تحليل الوضع القائم والبناء عليه لتقديم اقتراحات عملية للعام ٢٠١٩ قد تُلهم صناع السياسات وأصحاب القرار والمهتمين بإيجاد حلول للأزمات القائمة وسبل للتطوّر والتقدّم في مجالات مختلفة

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت.