Blog

  • Home
  • Blog
  • كيف تُستعاد الثقة في ١٠٠ يوم؟ أربعة إجراءات على الحكومة اللّبنانية المُقبلة اتّخاذها

كيف تُستعاد الثقة في ١٠٠ يوم؟ أربعة إجراءات على الحكومة اللّبنانية المُقبلة اتّخاذها

سامي محروم | الإثنين، ٢ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٩

Op-ed photo

بعد أسابيع من الاحتجاجات والإضرابات، تخلّلها استقالة الحكومة وإغلاق أبواب المصارف والمؤسّسات وخسارة أكثر من ٢٥٪ من قيمة العملة المحلّية، يبدو أنّ مستقبل لبنان على حافة الهاوية. يطالب المتظاهرون حكومة مؤلّفة من تكنوقراط مستقلّين، فيما تسعى السلطة السياسيّة إلى حكومة تكنو-سياسيّة. ومع احتدام النقاش حول طبيعة الحكومة المقبلة، وتحوّله إلى جدل بينزطي حول جنس الملائكة، لم يبقَ سوى القليل من المساحة المُتاحة للنقاش حول ما يجب على الحكومة المقبلة فعله خلال أيّامها المئة الأولى. لا شكّ أنّ المُتظاهرين يتوقّعون من الحكومة المقبلة أن تعمل من أجل تحقيق استقلاليّة القضاء ومحاسبة الفاسدين وتنظيم انتخابات مبكرة، إلّا أنّ أيّاً من هذه المطالب، لا تستهدف الحاجات الأكثر إلحاحًا، وهي كيفيّة إخراج لبنان من الهاوية التي يقبع فيها، وكيفيّة تحصينه اقتصاديًا. على سبيل المثال، إنّ إجراء انتخابات حاليًا سيؤدّي على الأرجح إلى إعادة إنتاج السلطة السياسيّة نفسها. إنّ المطلوب الآن هو استئناف تدفّق العملات الأجنبيّة إلى البلاد، باعتباره وسيلة لتخفيف الضغوط الناتجة عن ضبط السيولة الحادّ، والذي سينتج عنه فقدان الكثير من السلع من الأسواق، بسرعة قياسيّة، مثل الغذاء والأدوية والحاجات الأساسيّة، التي أصبحت تتضمّن في زمننا هذا العديد من المواد الاستهلاكيّة، مثل الهواتف المَحمولة وأجهزة الكومبيوتر وقطع غيار السيّارات. من هُنا، الأولويّة هي لمعالجة أزمة السيولة الحادّة قبل إحقاق العدالة. طبعًا، سيزعم المُنتقدون أنّ المؤسّسات اللّبنانية لن تستعيد ثقة المستثمرين الخارجيين من دون محاسبة الفاسدين، أو قبل ذلك، وبالتالي لن يتمّ جذب الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة إلى لبنان. هذا التشخيص صحيح، إلّا أنّ إحقاق العدالة واستعادة الثقة سيستغرقان وقتًا طويلًا نسبيًا، ولا تملك البلاد الوقت في ظلّ الأوضاع الراهنة. لذلك على الحكومة المقبلة أن تتّخذ الخطوات الحاسمة التالية، والتي ستساعدها على التماسك في مواجهة انعدام الثقة وتراجع الاستثمارات الأجنبيّة. أوّلًا، على الحكومة المقبلة أن تعتمد، فورًا، بعض البنود التي ذكرتها الورقة الإصلاحيّة التي أعدّتها الحكومة السابقة ووافقت عليها وأٌقرّتها قبل استقالتها. إذ تتبنّى هذه الورقة موازنة بعجزٍ مُنخفض للغاية ومجموعة من الإصلاحات بما فيها الخصخصة. صحيح أنّ هذه الورقة لم تلبِ طموحات المتظاهرين ولكنها كفيلة بإرضاء البلدان والمؤسّسات الدوليّة الراعية لمؤتمر "سيدر"، وستدفعها للإفراج بصورة عاجلة عن التمويل الموعود للبنان. ثانيًا، على الحكومة المُقبلة أن تعقد اتفاقًا مع دائنيها المحلّيين لتأمين الاستقرار والتضامن المطلوبين. بحيث يضع العقد الجديد، ثلاث خيارات أمام المصارف لا مفرّ منها، وهي: (١) إعادة هيكلة الديون الطويلة الأجل، (٢) الاندماج ضمن مخطّط للاستثمار الاجتماعي، (٣) التخلّف عن السداد. على أن يكون الخيار الثالث هو الأخير والذي يمكن اللّجوء إليه، فيما يمكن للمصارف أن تختار أحد الخيارين الأولين، إذ يفرض الخيار الأوّل تجميد الفوائد على القروض وإعادة جدولة استحقاقات هذه الديون لمدّة ٢٠ سنة. أمّا الخيار الثاني، وهو الأكثر ملاءمة، فيقوم على أن تقوم الدولة بدفع أقساط ديونها عند استحقاقها ومن دون تأخير، بشرط أن يقوم الدائن بتخصيص نسبة متفق عليها (مثلا ١٠٪ ) من قيمة هذه الأقساط لخلق فرص عمل للخرّيجين. ولضمان قيام المصارف بذلك، تحتفظ الدولة بنسبة ١٠٪ من مستحقّات أقساط ديونها كضمانة، إلى حين قيام المصارف باستثمار مبلغ مماثل يوفّر فرص العمل المطلوبة. ثالثًا، خلال الأيّام المئة الأولى، على الحكومة المُقبلة أن تنشئ صندوقًا سياديًا لثروة المهاجرين اللّبنانيين، نظرًا لكونهم يشكّلون أحد الموارد الرئيسيّة للبنان، كونهم يرسلون سنويًا نحو ٧ مليارات دولار، وهو ما يشكّل ١٤٪ من الناتج المحلّي الإجمالي. تاريخيًا، لعبت تحويلات المهاجرين اللّبنانيين دورًا مُماثلًا لدور أيّ مورد طبيعي لا يتمّ استغلاله بطريقة فعّالة، خصوصًا أنّ هذه التحويلات لم تذهب فقط لتمويل استهلاك الأسر، إنّما لتمويل إنفاق الدولة وعجزها وهدرها أيضًا. ووفقًا للمبادرة المطروحة، ستخصّص موارد هذا الصندوق للاستثمار في القطاعات الإنتاجيّة اللّبنانية المحرّكة للنموّ، على أن يحظر استعمالها لتمويل مشاريع البنية التحتيّة أو مشاريع تُديرها الحكومة ويشوبها الهَدر. سيُدار هذا الصندوق عبر مجلس إدارة مستقلّ منتخب من المُساهمين فيه، وسيوفّر للّبنانيين وغير اللّبنانيين حول العالم خيارات عديدة للاستثمار في منتجات مختلفة مولّدة للثروة، فضلًا عن أنّه سيكون وسيلة موثوقة لإعادة تحريك استثمارات المُهاجرين اللّبنانيين في البلاد، من دون الخوف من أن تتبدّد تحويلاتهم مجدّدًا في تمويل العجز الحكومي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تخصيص بعض من أموال مؤتمر "سيدر" ووكالات التمويل الدوليّة لدعم هذا الصندوق والاستثمار فيه. رابعًا، على الحكومة المقبلة أن تُنشِئ منصبًا جديدًا، وهو الرئيس التنفيذي للاستثمارات، يكون دوره محصورًا بثلاثة وظائف رئيسيّة وهي: تنسيق النشاطات الترويجيّة للاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، إعداد تقارير دوريّة للحكومة حول وضعيّة الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، وتعيين مجموعة من "السفراء إلى مراكز التكنولوجيا" وإدارة عملهم، وهم سفراء غير ديبلوماسيين يتركّز عملهم على استكشاف فرص الاستثمار التكنولوجي في لبنان، وتنسيقها والترويج لها في مراكز التكنولوجيا العالميّة مثل سيليكون فالي ودبي ونيويورك ولندن وباريس وشنغهاي. على أن يرتبط هؤلاء مباشرة بالرئيس التنفيذي للاستثمارات فيقدّمون له التقارير الدوريّة، ويقوم هو بدوره بتقديم التقارير إلى مجلس الوزراء. هذه المبادرات الأربع هي إحدى المبادرات التي يمكن ويُفترض طرحها والعمل عليها لجذب الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة (أي العملات الأجنبيّة الصعبة) إلى داخل البلاد، وتجنّب وقوعها في فخّ النموذج السياسي القائم. أمّا الأهمّ فهو ضمان توجيه هذه الاستثمارات نحو خلق فرص العمل في قطاعات إنتاجيّة محرّكة للنموّ وصناعات مولّدة للوظائف التي يستفيد منها الخرّيجون. هناك مطلبان أساسيّان ردّدهما المتظاهرون، ولكن تمّ تجاهلهما باستمرار من قبل السياسيين في خطاباتهم، وهما الوظائف ومستقبل الخرّيجين. في الواقع، يعاني الخرّيجون اللبنانيون من معدّلات بطالة مرتفعة جدًّا، وتشير التقديرات إلى وجود نحو ٥ آلاف وظيفة فقط لكلّ ٣٥ ألف خرّيج سنويًا. وهو ما أدّى إلى تفاقم هجرة الأدمغة من البلاد، وأيضًا إلى نزف شديد في الطبقة الوسطى، والتي يقدّر بأنها لا تشكّل أكثر من ١٥ إلى ٢٠٪ من المجتمع المقيم. تمتلك الطبقة الوسطى قدرة شرائيّة مهمّة، وهي تستحوذ على شريحة واسعة من سوق السلع والخدمات العالية الجودة والنوعية والمتطوّرة. انطلاقًا من ذلك، تساهم هذه الطبقة بخلق الشروط الضروريّة لقيام مجتمع مؤلّف من مستهلكين يبحثون عن المنافسة التي تسمح لهم بالحصول على أفضل نوعيّة من السلع والخدمات. أيضًا تشكّل الطبقة الوسطى المكوّن الأساسي لمستهلكي السلع والخدمات الثقافيّة، وتعدّ المحرّك الأساسي لقطاع رئيسي في الاقتصاد اللّبناني، وهو القطاع الإبداعي. يجب على أي حكومة جديدة أن تتّخذ إجراءات فوريّة لخلق فرص عمل للخرّيجين اللّبنانيين بما يحول دون نزولهم إلى الشارع. ستساعد المبادرات الإجرائيّة الأربع المطروحة في تحقيق نتيجة مُماثلة. لكن في الواقع، يفترض بأي عمليّة خلق للوظائف أن تكون ضمن المكوّنات الأساسيّة لأي سياسة أو آليّة اقتصاديّة تعتمدها الحكومة المُقبلة.


الإنجليزيّة || English


سامي محروم، أستاذ في جامعة بروكسل الحرّة (VUB)، ومُدير الاستراتيجيّة والبحوث في مؤسّسة دبي المستقبل، وزميل السياسات في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركيّة في بيروت.

ينشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت أسبوعيًا سلسلة من المقالات حول مواضيع مختلفة متعلّقة بالسياسات العامة والمرتبطة بالأبحاث والإنتاج الفكري الذي يصدره المعهد. تهدف هذه المقالات إلى تحليل الوضع القائم والبناء عليه لتقديم اقتراحات عملية للعام ٢٠١٩ قد تُلهم صناع السياسات وأصحاب القرار والمهتمين بإيجاد حلول للأزمات القائمة وسبل للتطوّر والتقدّم في مجالات مختلفة

إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت.