Blog

  • Home
  • Blog
  • الرقمنة أو الموت: الخدمات الاجتماعية في لبنان بعد كورونا

الرقمنة أو الموت: الخدمات الاجتماعية في لبنان بعد كورونا

محمود دغيم | الخميس، ١٦ نيسان ٢٠٢٠

IFI Op-ed #18 (2020) لم تقتصر تأثيرات كوفيد-١٩ على العدد الكبير من الوفيات حول العالم، بل تسبّبت هذه الجائحة باضطراب اقتصادي نتج عن تعطيل سلسلة التوريد العالمية بأكملها. وفيما نتابع بقلق التداعيات الاقتصادية التي تركها الوباء، تبيّنت جلية الأسس الهشّة للاقتصاد العالمي. فعلى مدى العقود العديدة الماضية، أعطت الحكومات والشركات الأولوية للكفاءة والإنتاجية على حساب المرونة والقدرة على التعافي والتخطيط. في خضم أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، يقف لبنان بمفرده في معركة ضدّ "عدو مجهري" غير مرغوب به، ومن دون أن تكون لديه الذخيرة الكافية لكبح جماح هذه الكارثة المالية لفترة أطول. وقد توقّعت وزارة المالية، مؤخّرًا، أن يرزح ٤٥٪ من السكّان تحت خطّ الفقر مع ارتفاع معدّل البطالة، بشكل كبير، فضلًا عن عدم وجود أي برنامج لشبكة الأمان الاجتماعي. الرقمنة بقدر ما يمكن الحصول عليها حتّى وقت قريب، لم يكن هناك أي مناقشات جدّية حول الحاجة الحيوية إلى دمج الاقتصاد الرقمي في لبنان، على الرغم من الترويج له في وسائل الإعلام لسنوات عديدة، وتنفيذ مشاريع الحكومة الإلكترونية بطريقة غير منسّقة وعشوائية. إذ تكفي زيارة سريعة إلى مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية (OMSAR) للحصول على فكرة عن خمول النظام الرقمي والمعلومات القديمة. لاقت استراتيجية التحوّل الرقمي التي أطلقها OMSAR في العام ٢٠١٨، على الرغم من ميزاتها الواعدة، اهتمامًا ضئيلًا من المؤسّسة السياسية في البلاد قبل أن يتمّ تعليقها. أطلق مصرف لبنان التعميم رقم ٣٣١ في العام ٢٠١٣، إلّا أنه لم يرتقِ إلى مستوى التوقّعات. في الواقع، تمّ استثمار نحو ٨٠٠ مليون دولار أميركي من احتياطيات العملات الأجنبية لإنشاء نظام بيئي للشركات الناشئة. لكنّه في الوقت نفسه، تجاهل تخلّف البنية التحتية للاتصالات في البلاد والأنظمة الصدئة ونقص الموظّفين المهرة. خلق التعميم رقم ٣٣١ سرابًا لنظام بيئي صحّي للشركات الناشئة، خصوصًا أن الصناديق الاستثمارية الرأسمالية الحديثة والحاضنات وخطط الأعمال المتواضعة أسّست لما يشبه "مثلّث برمودا" الذي يمتصّ ملايين الدولارات من أموال المودعين. هل فات الأوان على التحوّل الرقمي لمواجهة التحدّيات الحالية؟ الجواب المفترض هو: أبدًا. تُعدّ الاستفادة من التكنولوجيا واستخراج البيانات والتكنولوجيا المالية لتعزيز الشمول المالي ضرورة، الآن، وأكثر من أي وقت مضى. لكن قبل تصميم أي خريطة طريق للتحوّل الرقمي، يجب الأخذ في الاعتبار مدى قابليته للاستمرار. وهو ما يفترض قياس وتقييم الوضع الحالي للبنية التحتية للاتصالات في البلاد ومعدّلات انتشار الهاتف المحمول وتوافر بنوك البيانات المواكبة للتقدّم. إعادة ترتيب الأولويات في أوقات الأزمات يفترض أن يكون إنشاء برنامج لشبكات الأمان الاجتماعي أولوية تتلاقى فيه جميع الموارد لحماية الأفراد الأكثر ضعفًا. وهناك ثلاث ركائز لضمان نجاحه وهي الحوكمة المركزية، ونظام دفع غير نقدي متين، ومنصّة وطنية ديناميكية لتحليل البيانات. إلى ذلك، تُعدّ إدارة تحدّيات الحوكمة المدفوعة بالطلب مكوّنًا لامركزيًا لتخصيص الموارد وتوزيعها، وبالتالي دعم الشفافية والمشاركة المدنية والمساءلة الاجتماعية، وهم ما لا يمكن معالجته إلّا من خلال نظام معلومات الإدارة، الذي يعمل على تعزيز المساءلة الاجتماعية، من أسفل إلى أعلى، بحيث ينخرط أصحاب المصلحة في شبكات الأمان الاجتماعي لمساءلة مقدّمي الخدمة وإحداث تكامل مع آلية المساءلة الحالية. التكنولوجيا المالية للجميع وفقًا لتقرير نشره معهد التمويل الدولي في العام ٢٠١٦، يتبيّن أن ٥٠٪ من اللبنانيين لا يملكون حسابات مصرفية، ويعتمدون على الأموال النقدية أو الراتب الشهري، فضلًا عن أن تعميم مصرف لبنان رقم ١٤٩، الذي يسمح للمودعين الذين لديهم حسابات لا تتجاوز ٣ آلاف دولار أو ٥ ملايين ليرة، بسحب أرصدتهم بسعر السوق، وهو ما قد يدفع نحو ٦٠٪ من مجمل المودعين إلى الخروج من النظام المصرفي. أيضًا تشير بيانات وزارة الاتصالات إلى أن معدّل انتشار الهاتف المحمول يبلغ ٨٦٪. من هنا، تُعدّ شبكات الاتصالات الخلوية الرهان الأفضل لقيام بنية تحتية متينة لأي نظام دفع غير نقدي يدعم برنامج شبكات الأمان الاجتماعي. وهو ما يضمن كلفة تشغيل منخفضة ومستوى أعلى من الحوكمة لجميع أصحاب المصلحة. إلى ذلك، يتميّز الدفع غير النقدي بالتخزين الآمن والمدّخرات طويلة الأجل وإمكانية إجراء تحويلات من شخص إلى آخر، مع توفير الخطوة الأولى لتحقيق اندماج أكثر متانة في النظام المالي بالتوازي مع تطوّر السوق (القروض والتمويل الصغير وغيرها). كيف تتمّ معالجة المدفوعات؟ يعتبر إنشاء نظام نقدي، من الحكومة إلى الفرد، عبر الخلوي من الأنظمة الأكثر فاعلية، نظرًا إلى تأثير الدولار المخصّص لكلّ الفرد. أولًا، يقوم حساب المانح (أي وزارة الشؤون الاجتماعية أو البنك الدولي) بتمويل الحساب المصرفي لمشغّلي الهاتف الخلوي (أي تاتش وألفا)، وهو ما سيسمح بالتالي للمشغل القيام بتحويلات مالية إلكترونية وتمويل محفظة الحساب الخلوي للمستفيد. إلى ذلك، تتحكّم الواجهة الإدارية للمحفظة الإلكترونية بنموذج إعرف عميلك ورقم التعريف الخاصّ للمستفيد عبر استخدام قاعدة بيانات معلومات العملاء الموجودة. وبموجب هذا النظام، يمكن للمستفيدين سحب النقود من أي موزّع حصري لتاتش وألفا. فيما تعدّ تهديدات الأمن السيبراني محدودة بسبب المستوى الأمني العالي الذي بُنِي بالفعل داخل آلية الائتمان الخلوية. الجزء المفقود من اللغز: البيانات اعتاد الباحثون وأصحاب المصلحة في لبنان على استقراء البيانات القديمة عبر استخدام مؤشّرات الاقتصاد الكلّي أو المحاكاة الكلية وذلك للحدّ من تبعات نقص البيانات المنقّحة والمحدّثة. من هنا، تبرز الحاجة المُلحّة لنشر منصّة وطنية للبيانات والتحليلات لضمان توافر البيانات الدقيقة والمحدّثة باستمرار. في الواقع، يجب أن يتولّى OMSAR دور الكيان المركزي الذي يتعامل مع معالجة البيانات والتحليلات. إلى ذلك، يمكن تحديد موقع نقطة الوصول اللامركزية في البلديات والسلطات المحلّية، حيث تجمع البيانات ويتم إدخالها في مجموعة البيانات المركزية. يمكن للمنصّة الوطنية للبيانات والتحليلات أن تزوّد شبكات الأمان الاجتماعي بمجموعات بيانات متماسكة مع أدوات مرئية وتحليلية ما يسمح باستخراج البيانات بكفاءة. أيضًا يمكن ضمان خصوصية وسرّية هذه المنصّة بسهولة من خلال الاستفادة من التقنيات الناشئة مثل البلوكشاين ودليل صفر المعرفة. ما هو التالي؟ أدّت الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨ إلى ظهور لاعبين في مجال التكنولوجيا المالية، قدّموا خدمات مالية أسرع إلى عدد أكبر من السكّان، متجاوزين البيروقراطيات المؤسساتية. دخل لبنان متأخّرًا إلى هذا النادي وأهمل العديد من الفرص. من هنا، تُعدّ الحكومة الإلكترونية والتحوّل الرقمي والبنية التحتية للاتصالات والأنظمة البيئية الرقمية من المواضيع التي تحتاج إلى مزيد من النقاشات. ومع ذلك، في خضم الأزمة الحالية غير المسبوقة الحجم ينبغي اعتبار الشمول المالي ضرورة للسياسة الاستراتيجية. ويجب على جميع أصحاب المصلحة، من الحكومة مرورًا بالقطاع الخاص وصولًا إلى المجتمع المدني، توحيد قواهم والتعاون لخدمة هذا الغرض.


الإنجليزية ||| English


محمود دغيم، خبير ومستشار في التكنولوجيا الناشئة. تنضمّ مقالة الرأي هذه إلى سلسلة مقالات جديدة أطلقها معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت للتأمّل في تأثير جائحة فيروس #كورونا #كوفيد-١٩ على مُختلف الأصعدة كالاقتصاد (العالمي والوطني) والعَولمة والتعدّدية والتعاون الدولي وأنظمة الصحّة العامّة والنظام التعليمي وأزمة اللّاجئين، بالاضافة إلى مسائل أخرى. إنّ الآراء الواردة في هذه المقالات تخصّ كاتبها حصرًا ولا تعكس رأي معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت.